المدخل | بداية المقال | افتتاحيات |

كلمة لابد من أن نقولها

مشعان الجبوري

مما لاشك فيه ان حديث السيد طارق عزيز امام تجمع عربي حضر الى بغداد مؤخرا يعبر عن الفلسفة نفسها والخطاب السياسي ذاته، للنظام الذي ظل يتعاطى به مع الداخل والخارج منذ اكثر من 10 سنوات

واذا كان السيد عزيز يعتقد ان الثبات على المنهج نفسه، رغم التحولات الكبرى التي شهدتها المنطقة والعالم، هو موقف صحيح فانه يقع في وهم سيقود بالتأكيد الى مزيد من الكارثية على وطننا وشعبنا العراقي ويؤدي في الوقت ذاته الى تسهيل مهمة الاطراف الدولية الساعية الى الاستمرار لمحاصرة العراق وتفكيك بنيانه التحتي وتجويع شعبه وتمزيق الوطن. ان رفض النظام الانفتاح على الشعب، وخلق المناخات التي تسمح بالتفاعل الوطني عبر اجواء الحرية والديمقراطية لكل القوى والاحزاب والتيارات الوطنية والقومية والاسلامية والديمقراطية والثقافية في داخل الوطن وخارجه يعني ذلك الاستمرارية في كبت الحريات وتدفق النزيف الدموي الذي سيؤدي عاجلا او اجلا الى تفاعلات خطيرة داخل الفسيفساء العراقية

يكون الخاسر فيها هو العراق والرابح الاكيد كل القوى والاطراف الدولية التي تريد لهذا الوطن التاريخي ان يتحول الى بؤرة للموت والاختناق الداخلي. ان طارق عزيز يدرك تماما ان مثل هذا النهج والممارسات التقييدية الحاكمية الشمولية قد قادت فرسانها الى الهلاك وأدت بالاوطان الى التفكك والانقسام وحرّضت الرغبة في نفوس الآخرين الى التجرئة. ولعل ماجرى ليوغسلافيا، وقبلها دول عديدة، خير دليل على ماذهبنا اليه. ان التطوات الدراماتيكية التي حدثت في مختلف قنوات العلوم، وفي مقدمتها علوم الاتصالات والمعرفة قد جعلت عالم اليوم اشبه بقرية صغيرة لايستطيع احد مهما امتلك من فنون الاخفاء واساليب المحاصرة الفكرية وشد الحبال على الرقاب وليّ الاعناق ان يمنع الشعوب من التطلع الى المعرفة والبحث عن اسباب الحرية واجواء الديمقراطية والتفاعل مع الشعوب والحضارات الاخرى. وقد حاول الاتحاد السوفييتي السابق ومنظومة الكوميكون وشاوشيسكو وغيرهم ان يتجاوزوا هذه الحقائق لكنهم سقطوا جميعا في الخندق الذي حفروه لشعوبهم طيلة 70 عاما
اننا لانريد هنا ان نفتح دفتر الحسابات ونكشف ..إنمانتساءل هل ابناء السلطويين وحاشيتهم ممنوع عليهم رؤية التلفزة العالمية والانترنت والفضائيات ومايحصل في تطور من العلوم التكنولوجية والاجتماعات وغيرها مثلما هو ممنوع على ابناء الرمادي والموصل والنجف الاشرف وميسان وبابل والناصرية؟!.. وهل هؤلاء السلطويون يفيقون فجرا للبحث عن مسببات ادامة الحياة والرغبة الجنونية في الحصول على مايسد حاجة العائلة من غذاء يومي معقول وملبس محترم، مثلما يفعل ابناء البصرة والقادسية والمثنى والجبايش وسوق الشيوخ والحويجة وسامراء وتكريت وكركوك وغيرها؟!.. ايضا لم يحصل هذا ولايمكن ان يحصل. اذاً اذا كانت هذه الفوارق البسيطة قائمة بين الحكام وحواشيهم من جهة وبين عموم الشعب من الجهة المقابلة فكيف يضمن طارق عزيز الذي يعلق الغسيل الوسخ على شماعة الحصار.. نقول كيف يضمن ان لايحدث الانفجار الكبير مثلما حدث في رومانيا مثلا او في المانيا الشرقية سابقا او في هنغاريا وبلغاريا ودول اخرى؟؟.. والسيد عزيز يعرف ان ماحدث في هذه الدول ليس بسبب الجوع او اختناق المواصلات او انفلاش المؤسسات الصحية وانتقال الادوية من الصيدليات الى السوق السوداء وارصفة الشوارع والدكاكين المخفية في ازقة الاحياء السكنية.. وانما كان اسباب الانفجار الهائل الذي ادى الى تحطيم منظومة المعسكر الشرقي برمته هو كبت الحرية وغياب الديمقراطية والغاء حق القوى والتيارات السياسية والثقافية والاجتماعية في التعبير عن وجهة نظرها وغياب المؤسسات الدستورية والبرلمانات المنتخبة تداوليا
هذا هو الذي فتت المعسكر الشرقي القطب الرئيسي المقابل للقطب الامريكي الاوروبي، فتحوّل العالم الى قطبية واحدة تقودها الولايات المتحدة الامريكية وتفرض شروطها وسياساتها التي تريد. اما في وطننا فكل شيء مفقود والتايه رايح.. كما يقول المثل الشعبي.. ولم يبق الا وجهه الكريم وحاشية السلاطين ووعاظهم الميامين، فكيف تريد ياطارق ان يبقى الوطن عزيزا قويا موحدا؟! ان سياسة الرفض المطلق لكل الآراء واعتبار كل القوى والشخصيات العراقية في الخارج عملاء، اذا ماكانوا جزءا من دائرة العمل والتفكير السلطوي الحاكم، هي نهج غبي وخطير لايقل خطورة عن الايدز الامريكي، وسوف يؤدي الى تسهيل مهمة القوى الغاشمة -كما تسمونها- في فتح الثغرة واقامة الكانتونات في جسد الوطن وبالتالي تحل على كل الذين يرفضون الحرية والديمقرطية والدولة المؤسساتية البرلمانية لعنة الله والتاريخ. ان تجاوز الحقائق اليومية وحق المواطن في العيش في وطن آمن مستقر لايعبر عن فطنة سياسية ولا عن رؤيا استراتيجية بقدر ماهو تعبير عن تفكير استحوازي مقيت
وان العراق الذي انتج خيرة عظماء التاريخ والفطنة والمعرفة لايستحق منكم هذه المحاصرة وهذا الاذى. فافتحوا عقولكم وابسطوا ايديكم وتوبوا عما تفعلون فإن الله يحب التوابين.. صدق الله العظيم


المدخل | بقية المقال | بداية المقال | افتتاحيات |