المدخل | التعليق  الاسبوع  | الجديد في الاتجاهات  | افتتاحيات الصحف  | الاتصال بنا  | اشارات  | مقالات عبدالاله البياتي 

المفاوضات ،لماذا والى اين؟
عندما قبل عبدالناصر سنة 1970،وكانت كل الظروف حينذاك تبرر ذلك ،مشروع روجرز للتفاوض اللامباشر بين مصر واسرائيل من اجل تطبيق قرار مجلس الامن رقم 242 احدث هذا القبول هزة في الحركة السياسية العربية فها هو ابرز قادة الامة ، الذي خرجت الملايين العربية تطالب ببقائه في السلطة بعد هزيمة 1967 ، يوحي بهذا القبول ان الانظمة العربية القائمة ،ومن بينها النظام المصري، غير قادرة على تحرير فلسطين المحتلة وان لاات الخرطوم لم تكن سوى صرخة انظمة مهزومة وان سقف المطالب العربية المرحلية هي تطبيق القرار 242. لقد حدثت هذه الهزة لان حركة التحرر العربية ،ومعها الجماهير العربية ،اعتبرت ان هذا القبول يمثل تراجعا عن الاهداف التي صاغتها الامة العربية عبر نضالاتها وعذاباتها خلال قرن والمتمثلة في التحرر من الاستعمار وتحقيق الوحدة العربية واقامة دولة عصرية ومجتمع متقدم والدفاع عن عروبة فلسطين والجزائر والتي ليس من حق اية قوة قطرية او قومية التخلي عنها.
ان اهداف الامة هذه لم يصغها حزب معين لتنتهي مع انهيار اوفشل هذا الحزب وانما على العكس هي التي صاغت وتصوغ الاحزاب والحركات.ولم يصغها هذا القائد او ذاك لتنتهي مع هزيمة هذا القائد او رحيله فعبدالناصر نفسه لم يصبح قائدا للامة الا لالتزامه باهدافها ونضاله من اجلها والذي تجلى بوضوح في معركة تأميم قناة السويس في 1956.وتاريخ امتنا في القرن الماضي يبين بوضوح انه في كل مرة يحدث صعود شعبي وفي اي قطر من الاقطار العربية ، ومهما كانت قيادته، فان الجماهير العربية تعلن بعفوية ووضوح انها تناضل من اجل ذات الاهداف ،اهداف التحرر والتقدم والوحدة العربية والدفاع عن عروبة فلسطين والجزائر. لا شك ان عبدالناصر ، وكان محقا في ذلك ، كان يعتقد ،وهو الذي خبر مقارعة الاستعمار ، ان القبول بالتفاوض هو تكتيك لن يمنعه من اعادة بناء القوة الذاتية العربية ، وان شرط بناء هذه القوة يمر عبر تحرير الاقطار العربية من الاستعمار والرجعية والحكومات المرتبطة بالاجنبي وان هذه القوة لا تتمثل في المزايدات اللفظية وانما في بناء الدولة والمجتمع على اسس سليمة وقوية.ولكن الوقت لم يسعف عبدالناصر لتنفيذ استراتيجيته ولا لرؤية كل ما احدثه القبول بالتفاوض من تمزق في الحركة الشعبية العربية. كما ان الوقت لم يسعفه لرؤية كيف حول خليفته السادات انتصارات الجيوش العربية في 1973 من تفاوض تكتيكي الى استراتيجية كاملة تقوم على قبول مشروع "السلام الامريكي "والاستعداد لتنفيذ كل شروطه ، متبنيا التصور الامريكي للاستقرار في المنطقة ، عازلا مصر عن محيطها العربي ، مستخدما الاسلام للانقضاض على الناصرية في مصر ، مؤمنا باحلام "الانفتاح" وتدفق الرساميل التي لم تتحقق ابدا.
ان امتنا العربية رفضت من قبل مرات عديدة التصور الامريكي للاستقرار في المنطقة .وفي الواقع لم يكن مشروع السلام الامريكي" الذي قبله السادات امرا جديدا على المنطقة فقد سبقته مشاريع توطين اللاجئين ومشاريع اقتسام" المياه ومبدأ ايزنهاور وحلف بغداد وكلها انتهت ، رغم تأييد بعض الدول العربية لهذه المشاريع ،الى الفشل امام وعي شعبنا واصراره على حقوقه واستقلال ارادته.وكل هذه المشاريع تتلخص بان تطلق الولايات المتحدة الوعود للانظمة بالحصول على الامن والاستقرار والرساميل والتكنيك والرفاه مقابل التنازل عن الحقوق العربية المشروعة في فلسطين وانهاء الصراع العربي- الاسرائيلي لصالح اسرائيل ، بينما هي ، الولايات المتحدة ، في الوقت ذاته تمد اسرائيل بالخبرة والدعم والمساعدات وتضمن لها ، منذ التصريح الثلاثي في بداية الخمسينات وحتى الان ، ان تكون الدولة الاقوى عسكريا وسياسيا وماليا وتعمل على معاقبة وترويض الانظمة العربية التي لا تقبل سياساتها هذه بل وتحطيم شعبها كما حدث للعراق.
وبعد السادات بدأت الانظمة العربية واحدة بعد الاخرى في الاستماع الى "النصائح" الامريكية او انها رُوضت ، وما اسهل ترويضها! ، لتقبل هذه النصائح واخذت تتسابق في كسب الرضا الامريكي. وحتى المقاومة الفلسطينية التي بدت لوهلة وكأنها الاجابة الثورية العربية على فشل الانظمة في تحقيق المهمات الوطنية والقومية والدفاع عن مصالح الامة لم تلبث ، نتيجة اخطاء قياداتها وتامر الانظمة ، ان تدخل هي ايضا بعد هزيمة ايلول 1970 في لعبة توازنات وتحالفات الانظمة .وما ان حل عام 1973 حتى تحول مبدأ استقلالية الارادة الفلسطينية وشعار الدولة الفلسطينية الديموقراطية على كل ارض فلسطين الى "دولة فلسطين على كل شبر محرر من ارض فلسطين" اي القبول بالقرار 242 والاستعداد لتنفيذ شروطه وعلى رأسها كسب الرضا الامريكي. لكن ثمن رضا امريكا على الانظمة العربية كان غاليا بالنسبة لامتنا ، ذلك لان الولايات المتحدة تعتبر ان كل ما يدعم قوة العرب ووحدتهم يشكل خطرا على اسرائيل.ولذلك فانها لم ترض على اي نظام عربي ان لم يندفع في محاربة التيارات السياسية الشعبية ، القومية والاسلامية واليسارية والديموقراطية المعادية لاسرائيل،وان لم يبتعد عن اي تطوير اقتصادي قد ينافس اسرائيل ،وان لم يرفض اي جهود وحدوية قد تعيد للامة ثقتها بنفسها وبقدراتها. وهكذا ،وبدلا من التأكيد على وحدة تاريخنا ونضالاتنا ومستقبلنا ومصيرنا،رضخت الانظمة العربية ،ولو بدرجات مختلفة، للارهاب الفكري والسياسي الاسرائيلي-الامريكي وسارت في تنفيذ مطالبه فاصبحت وحدة مصر والسودان حقيقة يمنع ذكرها ووحدة سوريا والعراق خطا احمرا يثير تجاوزه الغضب ووحدة مصير الفلسطينيين والاردنيين مجرد مسارات تلعب عليها الدبلوماسية الاسرائيلية ووحدة مصر وسوريا جريمة لا ينبغي تكرارها ووحدة المغرب العربي حبرا على ورق وتعاون سوريا ولبنان ضد العدو المشترك احتلالا اجنبيا واعلان دمشق ،رغم انه موجه ضد العراق،مجرد ذكرى ومجلس التعاون الخليجي لا تعاون فيه الا بما هو ضد العراق وما لا يخرج عن المطالب الاسرائيلية والامريكية . اما الجامعة العربية فقد اصبحت احسن مكان للاجتماع واتخاذ احسن القرارات ثم نسيانها بمجرد الخروج من الاجتماع.
وبدلا من اتخاذ خطوات ديموقراطية تعزز وحدة الوطن والامة وتطلق طاقات وابداعات الوطن والمواطنين،رجالا ونساء،وتسرع في التطور الثقافي والسياسي والاقتصادي وتعبأ الجماهير في النضال من اجل قضاياها والدفاع عن هويتها وتقيم انظمة يتمتع فيها الانسان العربي بكل حقوقه الانسانية وفي مقدمتها الحق في المساواة والحرية والامن والعدل ،ويتمتع فيها المواطنين بحقهم في ادارة شؤون الدولة والمجتمع والحياة الخاصة بانفسهم وبحرية،بدلا من ذلك اصبحت السلطة في انظمتنا تركة او غنيمة حرب يتمتع بها القادة وحاشياتهم لانتصارهم على الشعب وعلى التيارات الاساسية في الحركة السياسية العربية فاصبح المسلم يعامل كارهابي واليساري كمخرب والديموقراطي كأجنبي والعروبي الوحدوي كأكبر متامر.
ومع ذلك ومع ما جلبته الانظمة العربية لنفسها من مهانة ولشعوبها من عذابات وماسي بركضها وراء سراب الرضا الامريكي فان اسرائيل هي التي رفضت ولا زالت ترفض تطبيق القرار 242ولم تقبله شكليا الا لاثارة الفتنة والانقسامات. فهي في الواقع ومنذ انتصارها في 1967 لم تتوقف لحظة عن تجديد وتوسيع اعمالها العدوانية ومحاولة فرض ارادتها على المنطقة عن طريق العدوان والقوة العسكرية وما يحدث يوميا في لبنان وفلسطين خير دليل على ذلك.ولم ينفع الانظمة العربية تنفيذها لشروط السلام الامريكي فالولايات المتحدة لم تتخذ خطوة واحدة لمنع اسرائيل من الايغال في عدوانها بل وان الضغوط والمطالب الامريكية تتزايد كلما تزايد العدوان الاسرائيلي على العرب وما بعض التصريحات والقرارات الامريكية المطمئنة للعرب في بعض المناسبات الا لرفع العتب او للدفاع عن المصالح العليا لاسرائيل .
ومنذ انعقاد مؤتمر مدريد تطبل اسرائيل والولايات المتحدة ومعها بعض العرب وتدعي ان الصراع العربي- الاسرائيلي في طريقه الى الحل لان كل طرف سيحصل ،بالمفاوضات، على حقوقه. ان واقع الامر غير ذلك فما هي حقيقة مؤتمر مدريد؟
ان عوامل عدة كانت قد اقنعت بعض الاسرائيليين وبعض الاجهزة الامريكية ان من مصلحة اسرائيل قطف ثمار انتصاراتها العسكرية ومحاولة السيطرة ،سريعا وقبل فوات الاوان، على المنطقة عن طريق المفاوضات والمعاهدات.واهم هذه العوامل هي 1-ان التفوق العسكري الاسرائيلي والعدوان المسلح هو امر محدود في القدرة والفاعلية سواء من ناحية القدرة على السيطرة على الارض اومن ناحية قدرته على تحطيم ارادة الامة العربية والاسلامية.فالانتصارات الاسرائيلية المتكررة والتنكيل اللانساني الذي مورس ضد العرب لم يدفع الجماهير العربية الى الرضوخ للارادة الاسرائيلية او القبول باي حق لليهود في سلب فلسطين.على العكس من ذلك لقد افقدت اسرائيل التعاطف الدولي الذي كانت تتمتع به في البدء وكشفت طبيعتها العسكرية العدوانية حتى في اوساط اليهود.من جهة اخرى فان العرب شأنهم شأن شعوب العالم الحية الاخرى لن يقبلوا الى الابد الظلم الذي تعرضوا له وانهم قادرين على تجاوز الهزيمة والقادة المهزومين واكبر دليل على ذلك هو الانتصار العربي الجزئي في 1973 والانتفاضة الشعبية الفلسطينية ووحدة وصمود ومقاومة شعب لبنان والرفض الشعبي للتطبيع وخصوصا في مصر ،مما سيحول حلم اسرائيل بالسيطرة على الشرق الاوسط الى كابوس لا نهاية له
2-ان الجماهير العربية ، رعم المخططات والمشاريع الغربية المعادية ، ورغم النكبات والتمزق ،استطاعت ان تحقق ، بجهود ابنائها وعرقهم ،بعض التقدم ،وخصوصا في بناء الكوادر العلمية والتكنيكية والادارية والسياسية وفي مختلف مجالات الحياة ، مما جعل امكانية سيطرة اسرائيل بواسطة التفوق الاقتصادي والحضاري امرا لا يصدقه حتى الاسرائيليين انفسهم.فاكثرية العرب لم يعودوا كما كانوا في 1948 بدوا رحل وفلاحين لا يعرفون القراءة والكتابة ينتظرون اسرائيل لتصوغ لهم علمهم وثقافتهم واقتصادهم حسب مصالحها .
صحيح انه كان بامكان العرب ، لولا قصور انظمتهم القمعية المتخلفة ، ولولا الانشغال بالعدوان الاسرائيلي وبتواطئ الغرب معه،ان يحققوا اضعاف ماحصل.ولكن بعض التقدم الذي استطاعوا تحقيقه ،وفي مختلف الاقطار ومختلف الاشكال قد جعل من قدرة اسرائيل من الانتصار عن طريق التنافس الاقتصادي اضغاث احلام . وحتى التفوق العلمي والتكنيكي الذي تتبجح به اسرائيل اصبح العرب يملكون ما يماثله او انهم يستطيعون الحصول عليه من غير اسرائيل.
ان الكثيرين يعرفون اليوم ان الاقتصاد الاسرائيلي اقتصاد عسكري بيروقراطي غير قادر على منافسة الطاقات والامكانيات العربية ان احسن توجيهها،وان عدم قدرة اسرائيل على دخول الجسم العربي للسيطرة عليه وتوجيهه لخدمة مصالحها ،سواء بسبب تعنتها هي او بسبب وعي ومقاومة العرب ،هو امر قاتل لها. 3-ان اللوبي الصيهيوني الذي تحسن اسرائيل استخدامه والذي تتباهى بسطوته،يملك العرب في العالم اضعافه سيستطيعون استخدامه يوما لو ان بلدانهم تحولت الى بلدان ديموقراطية موحدة الارادة.وكما اشار مطاع صفدي ان رجوع بعض المال والخبرة المتوفرة في المهجر الى البدان العربية لقادر ان يدفع العرب خطوات متسارعة في طريق التنمية والتقدم.
4-ان الظروف الدولية وانهيار الايدولوجيات وتسارع تيار العولمة وقواه واستناده في تطوير التجارة على اسس المنافسة وتوجيه الرساميل نحو الاستخدام الامثل ،رغم انه يهدد مصالح الطبقات الكادحة العربية ويهدد الهوية القومية العربية وهذا ما قد يستطيع العرب مواجهته ان تمسكوا بوحدة مستقبلهم ومصيرهم ،فانه يحطم الحلم الاسرائيلي القائم على الحصول على مواقع وامتيازات اقتصادية في الشرق الاوسط بطرق عسكرية وسياسية كما يحصل في العدوان اليومي الذي تشنه اسرائيل على البنية التحتية في لبنان. ان العرب لم يخلقوا فلسطين وانما الله هو الذي خلقها.وفلسطين حتى لو عادت عربية فانها محدودة الامكانيات بدون العرب
5-ان الاوضاع العربية هي في مرحلة انعطاف تاريخي فالاجيال العربية الشابة تؤمن ان من حقها وان في قدرتها العيش بحرية وكرامة كمثيلتها في البلدان المتقدمة وهي لذلك قد تستطيع تحطيم القيود الثقافية والسياسية والاجتماعية التي تتحكم في حياتها مما قد يخلق مد شعبي ديموقراطي قد يعصف بالانظمة المهترئة التي راهنت اسرائيل عليها طويلا للابقاء على حالة الضعف العربي. ان كل هذه العوامل قد اقنعت بعض الاسرائيليين وبعض الاجهزة الامريكية ان عليهم الاسراع باخراج اسرائيل من المأزق الذي هي فيه .فواقع الامر ان الاسس التي قامت عليها اسرائيل هي اسس هشة وستظل دولة هامشية ان تمسكت بما احتلته في و بعد 1967 كما ستظل دولة هامشية ان طبقت القرار 242 .وهكذا جاء المشروع الشرق اوسطي الذي قامت عليه مفاوضات مدريد وهو يتلخص في محاولة ربط ارادة الدول العربية واقتصادياتها بالارادة والمصالح الاسرائيلية واستعمال الاراضي العربية المحتلة بعد 4حزيران 1967 كرهينة لمقايضة هذا الربط بتحرير الرهينة.
ان الجماهير العربية لن تنخدع بما تطبل له الدوائر الاسرائيلية والغربية وبعض العرب.فلقد رفضت هذه الجماهير في 1948 تقسيم فلسطين وطمس عروبتها ،رغم ان كل توازنات القوى لم تكن لصالحها ،لانها عرفت ان هذه الدويلات التي ستقام في فلسطين لا تملك مقومات البقاء ما دامت منعزلة عن الامة العربية وموجهة ضد عرب فلسطين وضد الامة العربية والاسلامية. فلماذا تقبل المشروع الشرق اوسطي اليوم وها هو التاريخ يعطيها الحق بعد ان انكشفت اكذوبة "الجنة الاسرائيلية" لتتضح حقيقة ان اسرائيل هي اكثر دول العالم عسكرية وبيروقراطية وعنصرية لا يستطيع التنفس فيها احد الاوخلفه عشرة اجهزة مخابرات ولايتخذ قرار اقتصادي فيها الا بعد ان توافق مئة هيئة وجهة ،وهي ان ملكت التفوق العسكري والتجسسي فان اقتصادها ليس قائما على الانتاج والتنافس وانما متكل على المساعدات والخبرات الاجنبية وعلى القرارات السياسية لهذه الدولة او تلك وعلى محاولة خنق التطور الاقتصادي العربي بالقوة العسكرية؟
وكيف تُرضي الدولة الفلسطينية المرتقبة التي يلوح بها البعض كحل نهائي للصراع العربي الاسرائيلي ،والتي ،رغم كل ما قدم حولها من وعود منذ 1970 وحتى الان لم تر النور بعد ،والتي ان رأت النور على اساس اتفاقيات اوسلو وباريس المشينة فأنها لن تكون الا حلا مؤقتا اعرجا وان سمي بالحل النهائي ،كيف تُرضي هذه الدولة جماهيرنا العربية وهي التي تعزل الفلسطينيين عن بعضهم وعن امتهم العربية وتجعل كل نشاطاتهم خاضعة لمصلحة وارادة اسرائيل؟
ان الحل الدائمي الذي يمكن ان يرضي الجماهير العربية ،والذي ينبغي ان يعمل له يهود فلسطين كذلك، هو في قيام دولة فلسطين الديموقراطية العلمانية العربية ،دولة يتعايش فيها المسلمين والمسيحيين واليهود، عربية ليس بالمعنى الاثني وانما بالمعنى التالي:
1-ان تكون دولة لسكانها بعد ان يعود اليها كل الفلسطينيين ويعوضوا عن الاضرار التي لحقت بهم 2-ان يدين يهود فلسطين الصهيونية ويعترفون بجرائمها ضد العرب 3-ان تعمل لتكون جزءا من الوطن العربي داعمة لمصالحه وسياساته وتطوره لا عاملا على تجزئته او اضعافه او سيفا مسلطا عليه او قلعة متقدمة لخدمة قوى اجنبية
فدولة اسرائيل الحالية سائرة الى الزوال مهما طال الزمن لان الحق والتاريخ مع العرب وهم ان لم يستطيعوا الحصول على حقوقهم اليوم فسيستطيعون غدا ،وقد يكون عندئذ الكثير من اليهود الى جانبهم. ان جماهيرنا العربية المقهورة لن تقبل هيمنة اسرائيل على مصالحها وارادتها باسم السلام الشرق اوسطي ولا شك انها ستناضل ضده وضد المروجين له . ولا شك كذلك انها ستعتبر كل ما يعقد باسمها من اتفاقيات باطلة وزائلة وغير ملزمة لها اذ لم يسألها احد ،وهي صاحبة الارض والحق والمصلحة ،رأيها ديموقراطيا في مستقبلها،وستظل مناضلة من اجل تحقيق اهدافها في التحرر والوحدة والتقدم والديموقراطية والدفاع عن عروبة فلسطين. اما الانظمة العربية فان عليها ان تهجر سراب التصور الامريكي للاستقرار في المنطقة فهو لن يخلق استقرارا وانما على العكس يخلق حالة دائمة من اللاستقرار لانه قائم على دفع الحكومات الى محاربة شعوبها وعلى خلق الصراعات ، بل والحروب، العربية -العربية وعلى تأجيج الخلافات بين الدول العربية والاسلامية وعلى دعم اسرائيل في انتهاكها للحقوق العربية وتمكينها بشكل مصطنع من الهيمنة على ارادة ومصالح العرب. وهي ان هجرت هذا السراب وارادت ان تسير في الطريق الصحيح لبناء المستقبل العربي وتحقيق الاهداف العربية ومن بينها تحرير الاراضي العربية المحتلة ومنع اسرائيل من الهيمنة على مقدرات وارادة العرب،فان الطريق امامها واضح ومعروف:الديموقراطية والوحدة العربية.
نحن لا نطالب الانظمة العربية ،للوقوف ضد اسرائيل ،الاندفاع في مغامرات عسكرية كما حدث في 1967 فالتفوق العسكري الاسرائيلي سيظل قائما ما دامت الولايات المتحدة تدعم اسرائيل وانما نطالبها ان ترفض التنازل عن الحقوق العربية وعن استقلال ارادة الامة باسم السلام مع اسرائيل ،وان تستعد للدفاع عن الوطن فالالة الحربية الاسرائيلية في اوج نشاطها.ونحن لا نطالبها ان تدعم الارهاب فالارهاب لن يحرر وطنا ولا يغير نظاما سياسا وانما نطالبها ان تدعم ارادة المقاومة والصمودو النضالات السياسية الجماهيرية لشعبنا حتى وان سميت ارهابا من قبل اعداء الامة.
اننا نطالب الانظمة العربية ان تشرع ،وبسرعة ،في اتخاذ خطوات ديموقراطية حقيقية ان ارادت شل الهجمة الصهيونية الامريكية الحالية ومثيلاتها في المستقبل، فالديموقراطية هي التي تحرر الشعب وتمنع القوى الاجنبية من فرض شروطهم على الدول وهي التي تعمق وحدة الشعب حول مصالحه العليا وهي التي تمنع الهزات السياسية والاجتماعية التي يستعملها الاعداء للحصول على التنازلات وهي التي تسرع في التنمية وتفجر طاقات المواطنين الخلاقة وهي التي توجه المال العام للصالح العام وتمنع هدر اموال الدولة وهي التي تخلق انسانا عربيا مدافعا عن هويته واثقا بنفسه وبامته وهي التي تطور الثقافة والحداثة والحضارة.
ان غياب الديموقراطية في بلداننا لم يؤدي فقط الى انعزال الحكومات عن المواطنين وانما منعها كذلك من حل الصراعات الدينية والاثنية والطائفية بشكل سلمي وحضاري ،الامر الذي اوجد لكل من يريد الضغط على الانظمة العربية ومن يريد تهديد وحدة واستقرار بلداننا مناخا خصبا لاثارة المشاكل الدينية والطائفية والاثنية وتأجيجها حتى ان اسرائيل باتت تحلم بتحويل الشرق الاوسط الى مجموعة من دول الطوائف والقبائل والعائلات تقوم هي بالهيمنة عليها جميعا باسم قيادتها "الديموقراطية"
ونحن اذ نطالب بخطوات ديموقراطية سريعة وحقيقية فاننا نطالب كذلك ان تسرع الانظمة العربية السير في طريق العمل العربي المشترك والاسراع في تحقيق مشروع السوق العربية المشتركة .فعار على العرب وهم الذين يتراكضون للتطبيع مع اسرائيل التي سلبت الارض وانهكت الاقتصاد وانتهكت المقدسات وارتكبت ابشع الجرائم ،ان يستمروا ، مهما كانت خلافاتهم مع الحكومة العراقية، في حصار شعب العراق و تحطيم قدراته الاقتصادية والثقافية والسياسية.
وعار على العرب ، وهم الذين يعرفون جيدا ان تقدمهم وقوة اقتصادهم وتفوقهم على اسرائيل هو في وحدتهم وتكامل اقتصادهم ان لا تتعدى نسبة التجارة البينية نسبة 8 بالمائة من تجارتهم الخارجية فلنطلق حرية انتقال الرساميل والبضائع والخدمات والاشخاص والافكار ولنوحد شروط نشاطاتنا الاقتصادية فان ذلك هو الطريق الوحيد للتنمية السريعة والصحيحة والطريق للصمود معا امام القوى الخارجية. وفي هذا الخصوص نحن لا نرى تناقضا بين السوق العربية المشتركة و الانظمام والتعاون مع المنظمات الدولية ومن بينها منظمة التجارة العالمية، على ان تدخلها كل الدول العربية دون استثناء ، ففي داخلها ينبغي ان ننفتح على العالم وندافع عن مصالح البلدان العربية والبلدان النامية . ونحن نرى ان تنشيط وتوسيع التجارة العالمية يسرع في تطوير اقتصادياتنا ونعتقد بضرورة رفع وتيرة نقل التكنيك وطرق التنظيم الحديثة الى بلداننا.وبهذا المعنى نحن لسنا ضد العولمة.ولكن بعض دعاة العولمة يطرحونها وكأنها مناقضة للوحدة الاقتصادية العربية او انها مساوية للشرق اوسطية وهم بدلا من التأكيد على وحدتنا الاقتصادية ازاء التكتلات الاقليمية الاخرى يحاولون تحويل اقتصادنا الى اقتصاد خاضع للرساميل المالية العالمية وازماتها وتقلباتها وتحويل ثقافتنا الى ثقافة ليبرالية امريكية لا تخدم ضرورات تنمية وتطور بلداننا.
ومن جهة اخرى تبرر الولايات المتحدة سياساتها الشرق اوسطية بحرصها على حرية التجارة لكل البلدان دون تمييز وعلى مصلحتها الحيوية في نفط الشرق الاوسط.ان النفط يمثل بالنسبة لنا ، نحن اصحاب الارض وما في باطنها، مصلحة حيوية اكبر تعتمد عليه حياة ومستقبل شعبنا.لذلك نحن مع حرية تجارة النفط ومع حرية التجارة عموما. ولكن الولايات المتحدة والدول الغربية هي التي تعيق حرية تجارة بلداننا فالعقوبات التي تفرضها على العراق وليبيا والسودان وسوريا والجزائر ولبنان هي عقوبات سياسية تهدف الى احتلال مواقع اقتصادية في بلداننا.والمشروع الشرق اوسطي هو اكبر عائق امام حرية تجارة بلداننا لانه يفرض عليها شروطا اقتصادية لا مبرر اقتصادي لها. وفي الواقع كي تتحق حرية التجارة بشكل عادل ، على الولايات المتحدة ان تقيم مع بلداننا علاقات طبيعية قائمة على المنافع المتبادلة وعلى الاحترام المتبادل وعلى بناء السلام والتعاون الدولي وتنشيط التجارة الدولية وان تتحمل مسؤولياتها كقوة عظمى مسؤولة عن السلام والاستقرار في العالم بدلا من التصرف كطرف في صراعات محلية يريد ان يفرض ، بالقوة العسكرية ، شركاته النفطية واسرائيل كوصي على بلداننا واقتصادياتها.
تدفع الولايات المتحدة الانظمة العربية نحو عقد معاهدات سلام مع اسرائيل تؤمن تنفيذ تصورها للاستقرار في المنطقة . نحن لسنا ضد التفاوض برعاية دولية لتطبيق قرارات مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة ذات الصلة بالصراع العربي الصهيوني وفي مقدمتها انسحاب اسرائيل من الاراضي التي احتلتها بعد الرابع من حزيران 1967.بل ولسنا، في ظل توازنات القوى الحالية، ضد عقد معاهدات تمنع اسرائيل من اللجوء مجددا الى القوة العسكرية لحل تناقضات مصالحها مع مصالحنا على ان لا تتضمن هذه المعاهدات منفردة او مجتمعة اي شروط تمنع مطالبة العرب بحقوقهم وحقوق الشعب العربي الفلسطيني التاريخية والانسانية وفي مقدمتها حق عودة اللاجئين الى ديارهم وعروبة القدس واخلاء المستوطنات وحق الشعب الفلسطيني العربي في اقامة دولته الديموقراطية على ارضه ،وعلى ان لا تتضمن مايعارض الديموقراطية وحقوق الانسان في البلدان العربية، وعلى ان لا تتضمن مايعيق حرية العرب في التعاون والتضامن والوحدة وتنفيذ الالتزامات القومية والدولية التي يلتزمون بها، وعلى ان لا تتضمن ما يمنع التطور الثقافي والسياسي والاقتصادي الحر المستقل لامتنا او ما يربط هذا التطور بمصلحة وارادة اسرائيل، اوما يتيح لاسرائيل التنازل عن بعض الارض لتحصل على الكل في الاقتصاد والسياسة والثقافة. فاذا رضخت الانظمة العربية لاسرائيل وللمشروع الشرق اوسطي وحولت امال السلام والانعتاق الطبيعية عند شعبنا الى استسلام ومذلة وعقدت معاهدات لا تمتلك صفة الشرعية والالزام لشعبنا لانه لم يوافق عليها ديموقراطيا فانها تحفر قبرها وقبر معاهداتها بيدها.فمهما كان ضعف الحركة الشعبية الان ومهما كان مدى تمزقها ومهما انتشرت نظريات الاستسلام والمنفعة الذاتية بين انظمتها ومثقفيها فان ارادة التحرر والتقدم والديموقراطية والوحدة لا بد ان تعود الى صفوف امتنا.انها امة حية لن تسكت على الظلم.لقد اثبتت ذلك في الماضي عن طريق حضارتها العريقة وهي تملك في العصر الحديث خبرة طويلة وارادة راسخة في مقارعة الصعاب و العمل من اجل اهدافها ومستقبلها.
ان بوادر المستقبل واضحة وهي تبين ان سياسة الولايات المتحدة خصوصا والغرب عموما ازاء العرب وقضاياهم لا زالت منذ بداية القرن الماضي سياسة قصيرة النظر.فهذه السياسة ،وان حققت بعض النجاحات بسبب اوضاع التجزئة والتمزق والحكومات القمعية المتخلفة ،فانها بفرض "السلام الامريكي" انما تقيم قصرا من ورق يناقض التيارات العميقة التي تتحكم بمستقبل الواقع العربي ، وسيتهاوى هذا القصر مع اول نهوض ديموقراطي وحدوي عربي فكيف الحفاظ على انظمة مهزومة معزولة عن شعوبها يركض حكامها وراء المنافع واللذات الذاتية ، كيف الحفاظ على مثل هذه الانظمة في امة يعرف كل فرد فيها ان الامة العربية امة واحدة وان نهوض العرب وتقدمهم هو في وحدتهم؟
عبدالاله البياتي
باريس- 18/1/2000
4

نشر في جريدة القدس العربي